يحصل لي مع النثر ، ذلك الشيء عينه الذي حصل لي مع الشعر. أنكب على أوراقي ، وجهازي كي أكتب ، لا أفكر بمن يقرأ ، أشكل الرماد المحترق على هيئة رسوم ، تبهرني ، ولا أظن بأنها تبهر أحدا آخر ، أنا وحدي أعرف من أين أتت تلك النقطة الرمادية الصغيرة ، أنا وحدي أتذكر متى ابتدأ السواد الضئيل بالحضور .أتذكر جيدا ، الأحمر المتوهج ، لم أكن لأصدق أحدا يقول لي أنه سينطفيء . أتذكر أنه حينما انطفأ ، ثبت معه تفاصيل احتراقه ، بدت كتمثال لا يمكن أن يتغير ، تمثال صخري ، لم ألبث أن أدركت أنه قابل للبعثرة بلمسة صغيرة ،أو بنفخة هادئة . كغبار . غبار لا يتلاشى ، غبار يتبعثر فقط ، يختفي بين الأشياء ، حتى تهب رياح الذكرى ، فينتفض انتفاضة ميت يفيق .
عندي وليس عند أحد آخر ، أتخيل كيف يمكن للزمن أن يتــــباطأ حد التوقف وأنا أراقب ما تصنع نفختي ، الرماد المتاقفز ، ذرة ذرة ، والقوس الذي تكون ، القوس الذي يدل علي من بعــــــــــيد . القوس الذي أعرف كيف يشبهني ،القوس الذي كان أبسط ما فيه شكله .
شكله هذا ،هو بالتحديد ، ما جعل همهمات الآخرين تصل إلي ّ ، رفعت رأسي ، ابتسمت ، تفرست في وجوههم البالغة اللطف. شعرت في داخلي أن ذلك الشكل البسيط هوالجزء الأسهل في التشكيلات التي صنعتها ، وتطلعت إلى السماء .
من هنا ، ابتدأت العقبات تتناسل . النظرات الفاحصة للرماد بدأت توترني ، خشيت أن أبدو كمعتوهٍ يتعرى بلا سبب، ويحترق بلا سبب . فكرت في أن أستعمل رمادا آخر ، رماد الآخرون ، ورماد وطني ، ورمادٌ أتخيله . فكرت في أن أفتش عن أقواس ٍ أخرى ، أقرأ عن أقواس ٍ أخرى . كانت السماء مليئة بالأقواس ، وتلك البعيدة تبدو أكثر سحرا ، فتشت حولي فلم أجد سلما ً ، وتذكرت أني نسيت الرماد الذي يتكوم في قلبي منذ زمن .
حينما عدت إليه ، وجدته كثيفا ، أكثر من أن أنفخ فيه دون أن يصيبني بالاختناق . وأكثف من أن يفسح مجالا لخلفية تشاركه صنع شيء يستحق أن تنظر إليه الوجوه البالغة اللطف .
سأنثره هنا كلوحة ركيكة ، أقبل بأن أعلق مثلها ، لأنها علمتني شيئا . علمتني أنني لا أستطيع أن أنفخ جيدا إلا حينما أحترق جيدا . علمتني أن الرماد الذي يبيت في قلبي دهرا ، يختلط بدماء تتخثر ، تجعلني ثقيلا ، وتجعل نفختي تنثر الرماد على الرماد بلا خلفية لسطح أبيض ، بلا تباين يدركه الآخرون ، وإن أدركته أنا .
أنا الذي يثير الرماد ذاكرتي كخشبة ، وأفكر بالخريف كشجرة .لا يهم كثيرا ما أدركه أنا . جمجمتي نافذة بزجاج أحادي الجهة ، أرى كل شيء ، ولا أ ُرى . الرفوف المليئة ، القصص القديمة ، الأفكار المبعثرة على ورقاتٍ صغيرة ، اللوح ، والموسيقى ، الحبال التي تربط الأشياء ببعضها . قلمي بخيل ، ولساني أبخل .
الصورة في الداخل جميلة ، متشابكة ، ومبهرة ، ولا سبيل لنقلها ، كالتباين بين أوراق البردي ، والأهرامات . كسور الصين العظيم وتلك القطعة التي تباع ببضعة قروش في الأحياء الصينية البعيدة . كشلالات نياقرا ، والبلاستيك المختبيء في زجاجة رخيصة . كعقلي ، و... أنا !
الفرج في النافذة صغيرة ، الرماد كثيف ، والسطح بعيد ، وخداي منهكان !
متعب
مايو 2009
أتاوا