السبت، 24 ديسمبر 2011

كريسمس سعودي في كندا، بطاولتين






تتجاهلني المدينة ، دون أن تقصد. تغلق جميع الأبواب. أقف خارجها لأفكر كيف يشعر الغرباء في يوم عيدنا في الرياض.

أغازل أطراف مشهد الكريسمس بعبارات لا أعرف ماذا تعني بالضبط ، يقولونها لي وأمضعها لألقمها لهم مجددا خالية من كلمة الكريسمس ليرضى ذلك الطفل الذي علموه بأنه لا تجوز معايدة أهل الكتاب بأعيادهم. "أيام مقدسة مباركة" ، أو كما سأدعي لو حاجّني أحد ، إجازة سعيدة. أعابث الأطراف ولا أتوغل في المشهد. أسمع العبارات باهتة من الداخل البعيد، وأظن جازما بأنهم يسمعون عباراتي المبتسمة باهتة بعيدة من رجل يتفرج عليهم دون أن يدلف الى الداخل.

الليلة ليلة الكريسمس. تطفئ المدينة أنوار الشوارع.تلمها، مصباحا مصباحا، لتخبئها في البيوت. كأصابع جدتي حينما تعبث بالسجادة، وتلمّ وبَرَها في لحظات سهوها أثناء حديثٍ هاتفي، تلمّها من المنتصف، وتوزعها على الأطراف. تتخبؤ الأنوار في الأطراف قادمة من المنتصف كتَلٍّ تبعثره ريح عاتية يصفق لها الناس، يتهيؤون لقدومها، ينتظرونها بشوق. وتقف أنت أيها الغريب هناك، لا تصفق لشيء، تبارك لهم قدوم الريح، و لا يهمك من الموضوع سوى ذلك التل الذي اختفى فجأة وتركك في صحراء موحشة.

تهيم باحثا عن قهوة لم تغلق أبوابها. عن مكان مضاء كشجرة. عن لسان يلعق بكلماته غبار وحشتك.عن طريق. 

تبحث عن وطنك الذي مر عيده الذي يعنيك وانتهى ، تود أن “تحتفل” معه بيوم عادي ، تفتش عنه على أوجه الشاشات الملساء، تفكر أنه كلما زادت هذه الشاشات نقاوة كلما أرعبتك تفاصيل وجهه ذلك الذي حسبته جميلا حينما رأيته بشاشات قديمة. تبحث عن نفسك بين الوطن الذي لا يعنيك، ويستثنيك من الفرح، والوطن الذي يعنيك، ويبعثك على الحزن. تفكر في خطأ أن تفكر في أن العشب على الجهة الأخرى أكثر اخضرارا. وتود أن تحلف - للائميك المحتملين، المصطفين في زاوية عقلك كهيئة محلفين- بأنك لم تنتبه حتى لدرجة اللون، أنت فقط مشغول بإيجاد تربة خصبة تصلح للزراعة، لتلوم نفسك بعدها على كل قشة عشب صفراء، إن لم تفلح في زراعة عشب أخضر كما ينبغي. كرجل يقف على طاولتين ظنهما متلاصقتين كطاولة واحدة، كلما نظر إلى الأسفل وتعلم أكثر عن تفاصيل الاختلاف، كلما زحفتا الطاولتان عن بعضهما ، يتصرف خط المنتصف بينهما كعملاقٍ ضَجِرْ، لسنوات وهما تتحركان بخفية. تتمدد رجلاك بزاوية منفرجة، تشعر بأنك قد اقتربت جداً من اللحظة التي ستحتاج بها أن ترمي بثقلك كله في أحد الاتجاهين. تتذكر ما قرأته يوما لكاتب إيطالي يحدّث بأن أباه دوما ماكان يقول له بأن الذي يجلس بين كرسيين ، يسقط بينهما. لم يقل شيئا عن الذي "يقف على طاولتين"، هل ستكون سقطته موجعة أكثر، أم سيتمكن من التحكم بها واتقائها بصورة أفضل؟.

رحل أبي قبل سنتين دون أن يخبرني ما الذي سيحصل حينما أقف على طاولتين. ترك الطاولة اليمنى، التي كثيرا ما ألتفت إليها فأجد جالسا هنا قد غادرها، وجالسا يتذمر منها هناك ، وجالسا يسرقها،وجالسا يتكيء بكفيه عليها ويسترق النظر ليغادر، ومجموعة من الجلوس يعالجون مساميرها وقواعدها، كأنهم سيأخذونها في حقيبة ويرحلون. أخشاب الطاولة اللامعة على اليسار، تجذبني الآن، لكنني أعلم أنني سأشتاق للطاولة اليمنى، التي أشتاق إليها الآن وأنا على مسافة ساقٍ مشدودة.

سأتساءل كثيرا،وأنا أمتليء بالحنين ليوم أبتسم فيه، وأتمتم: قد آن لي الآن أن "أثني" رجلي.



أتاوا
٢٤- ديسمبر-٢٠١١