الثلاثاء، 16 فبراير 2010

القيمة العادلة للأسهم




"It is a far, far better thing to have a firm anchor in nonsense than to put out on the troubled seas of thought. "

J. K. Galbraith


اشتروه بثمن بخس ، ثم مالبثوا أن باعوه بثمن أرخص ،وكأي (سهم) محترم ، لم يتحدث عن قيمته العادلة لأحد، ترك المحللون يتحدثون عنه ، عن قيمته التي لا "يراها " أحد ، عن "ظلم" أن يباع ويشترى بهذه الأثمان. عن مستقبله الواعد ، واليوم المحتمل الذي يتداوله الناس فيه بقيمة تشبه قيمته الحقيقية.
فكرة القيمة العادلة مغرية ، يكفي أنها تنظر إلى ماوراء الأشياء ، لا تؤاخذ أحدا بجريرة الظروف الاقتصادية ، ونفسيات المتعاملين ، والقيمة الظاهرة . الأكثر إغراءا من هذا ، أن تصبح الأسهم بعقل ٍ يخصها ، تحدد قيمة عادلة لنفسها ، دون دلائل يتعرف المحللون عليها بسهولة . وقتها تتمازج الأشياء والقيم بصورة معقدة ، تجعل من الأسهم وجها بثلاثة أقنعة وبلا ملامح ، قناع كما يراه المحللون ، وقناع كما يرى نفسه ، وقناع كما هو على الحقيقة ، والأخير لا يصلح لأن يكون ملامحا بلا قناع ، لأن الحقيقة في النهاية مستحيلة، لاستحالة النظر إلى الأمر بلا عدسات ،قد يستطيع الناس التحايل عليها ومحاولة النظر بالدقة القصوى الممكنة ، ولكن لايستطيع أن يخلعها أحد، لا أحد يستطيع النظر إلى شيء بدون عدسة ، نحضرها معنا إلى العالم ، تلتصق بنا وننظر إلى كل شيء من خلالها ، ونقضي أعمارنا- إذا كنا نحاول أن نكون منصفين- في الاستماع إلى صفات الأشياء من خلال أوصاف الآخرين لها عن طريق عدساتهم . كي نتعرف إلي
"الحقيقة".

لا يستطيع أحد بأن يدعي بأنه يعرف ما اذا كانت قيمة السهم/او السهم الذي يملك عقلا هي كما يرى نفسه ، أم كما يراه من حوله ، أم هي الحقيقة التي لا يعرفها أحد ، ويدعي الجميع ضمنا بأنهم يعرفونها. السهم الذي يملك عقلا يتم تداوله بلا أرقام، والأثمان بدورها ، تختلف من بورصة إلى بورصة ، ومن عدسة إلى عدسة..
يقبع كسهم في بورصة لا تعرفه ، يخبره أهله في وطنه البعيد بأن قيمته العادلة أكثر مما يوحي به الخط المستقيم الذي يصنعه في الثلج ويعتقد بأن عدساتهم تضخمه كثيرا ، حينما يحدث أن يطلق أحد تلك الأوصاف التي تخبر الآخرين عن عدساتنا يقولون له بأن عدسته غير منصفة على الإطلاق ، وأحيانا بأنها منصفة أكثر مما يجب ، تشبه منحنى الانحراف المعياري الذي لا يهتم الآخرون كثيرا في أي طرفيه يهوي ، ولكنه يهتم ، على الأقل حتى يعرف هل يجب عليه الصعود أم التقهقر. حينما يحاول أن يعكس عدسته إلى الداخل ، يصدق كل العدسات التي تراه صغيرا، كتب في دفتره: " أفضل أن أكون سهما جيدا يبخس قيمته من يجهله على أن أكون سهما تافها ، يرفع قيمته الجهال عينهم، ويعرف المحللون بأن قيمته العادلة أرخص مما يعتقدون بكثير"
منذ ذلك اليوم لم يعد يفكر في قيمته العادلة ، رضي بقيمته السوقية ، ابتدأ المحللون أنفسهم يصدقونه ،الأعصاب الملتفة بهدوء على جدار شبكيته خلف العدسة ، تقرؤ الأشياء بموضوعية ، ولا تمد أيديها إلا بما يمكّنها من وضع الملفات على الرفوف في سكينة وتناول الأوراق ووضعها في الأدراج ، تجبرت فجأة ! توحشت كتنين لم يخبر أحدا يوما بأن أيديه الطويلة تخترق العدسات ، كزهرة تبتلع حشرة بلا مقدمات ، خرجت أيديها لتصنع الحقيقة ، التي لن يعرف من أين جاءت أحد.

صنع الحقيقة بنفسه ، وما انفك ينتظر محللا بلا عدسة ، وبلا شبكية ، لم يخلق مثله بعد

Ottawa
فبراير، ٢٠١٠