الأحد، 20 فبراير 2011

من مقعد في آخر قاعة المتفرجين، في الزاوية العليا على اليمين






من مقعدٍ في آخر قاعة المتفرجين. في الزاوية العليا على اليمين. أتفرج على مسرحية غريبة، أسميها مسرحية ليس لأن هناك من يمثّل على المسرح، طاقمها صادق بدرجة مربكة، فقط لأنني لا أملك كلمة أخرى تعبر عن مشهد درامي، بضوء يتسلط على شخص ما، قبل أن يسدل الستار، وكلمة تستطيع أن تعبر عن خليط المتفرجين الذين يستقبلون ما يشاهدون بانطباعات مختلفة جدا. تلك المسرحية أبطالها كثيرون. لكل فصل بطل واحد، يملؤ المسرح، ويشغل الناس، حتى لتظن أن ألسنتهم ستلهج بذكرة ردحا طويلا من الزمن. وفجأة، يختفي، لا أستطيع أن أقول بلا مقدمات، لكن بالمقارنة بحضوره السابق الطويل لا تملك إلا أن تحس بأنه اختفى فجأة.
لم يخبرني أحد عن هذه المسرحية، التي أحضرها مجبرا ، لا أعلم من هم أبطالها، حتى أراهم. لا توجد أية إعلانات تخبرك عن بطل الفصل القادم. كل فصل له لهجته الخاصة، إضاءته الخاصة، بل حتى متفرجيه الخاصين، عند بداية كل فصل، يتقدم بعض المتفرجين من الخلف إلى الكراسي الأمامية، ويتبرع الجالسون في الأمام بمقاعدهم عائدين إلى الخلف، يحملون رؤوسا أثقل مما كانت حينما جلسوا هناك. القادمون إلى المقاعد الأمامية يحملون معهم أحيانا لوحات بلاستيكية شفافة مضحكة لابد أنهم أحضروها بسرعه وهم يهرعون للمكان، يرفعونها عاليا، ليرى الناس المسرحية من خلالها. ترى بعض الرقاب في الخلف تلتلف لتتجنب المشهد المشوه وترى المشهد على حقيقته، الغريب أن بعض الرقاب في الزوايا التي تمكنها من تجنب اللوحات، كانت تلتف حتى تستطيع أن ترى المشهد مشوها!
النجاح المدوي للفصل الأول، والفصل الثاني، أربك المتفرجين الذين امتزجت دهشتهم البالغة، بالترقب لكل هذه الإثارة لمسرحية يصلح كل فصل من فصولها ليكون مسرحية ملحمية. الطاقم خلف الكواليس أصبح مثارا تماما. بدأ ترتيب الفصول يختل.انقسم المسرح لثلاثة فصول مختلفة، كلها يستخدم صيحات المتفرجين وكأنها تخصه وحده، ابتدأ الحماس بضخ (الأدرينالين) في العروق. أصبح الناس يرددون عبارات الفصل الأول والثاني، لا يبدو أن أحدا يريد أن يصنع مشهده الخاص، كيف يمكن لمشهد جديد، أيا كان، أن يحصل على نجاح مشابه.
نسبة النجاح الكاملة حتى الآن. مغرية جدا، قد تستمر الفصول حتى لا يبقى أي بطل ليمثل فصلا جديدا. ويرحل كل المتفرجين بعد أن شاركوا في الفصل الذي يخصهم. مثل ذلك الذي حصل في المسرحية الشرق أوروبية.
أرى الهرج وأفكر من مقعدي على الزاوية في محمود درويش، وأتخيل شكل (الباتشينو) في تاجر البندقية، وأسمعه يقول:
"أما (للغبيّ)كما لليهوديّ
في تاجر البندقية،
قلبٌ، وخبزٌُ
وعينان تغرورقان.."

أفكر من مقعدي على الزاوية، متى سيأتي الفصل الذي يخصّني، لم يعلمني أحد كيف أقف على المسرح من قبل ولا أظن رفاق جيلي الذين شاركوني مقاعد الدراسة يختلفون عني كثيرا في هذا الأمر. أنا لم أخطط يوما لأقف على مسرحٍ من أي نوع، المتفرجين الذين تسلقوا عتبات المسرح فاتحين صدورهم لكل ما يمكن أن يأتي، هل كانوا على مقاعدهم يخططون لمثل هذه الفرصة أم أن المسرحية الغريبة، التي تستهلك كل تركيزك فلا تلتفت، تستحق مسرحاً غريباً، مسرحا، يظن كل جالسٍ فيه ، أنه يجلس على مقعده في آخر قاعة المتفرجين، في الزاوية العليا على اليمين، يتفرج على مسرحية غريبة.

متعب
أتاوا،
٢٠ فبراير ٢٠١١

*Photo by: Brian Henningsen