الأربعاء، 26 مارس 2014

فرد سجادة ملفوفة .. !





"لو كان تويتر متجرا للسجاد،يعرض سجادات الأفكار ،فلن أستطيع ان أريك هنا سوى ظهر السجادة الملفوف،وأدعوك بأن تتكرم بفردها في صالة عقلك الكبيرة!"


التغريدة السابقة كتبتها في تويتر، وأنا أعنيها بكل حروفها. فكرت أنه قد يكون من الإنصاف، أن أذكر مثالا على هذا الأمر، بتغريدة أخرى، بسجادة ملفوفة، أفردها ببطء وأنا أشير إلى تفاصيلها.  وما دام هناك من يؤلف كتبا بتغريدات مرصوصة، فلن يضير أحدا أن أفرد تغريدة واحدة في صالة مدونة خاصة بي، لا تتطفل على أحد! 

التفسير يقتل النصوص، لكن لا بأس به من حين لآخر.أحب أن أفكر في أن هناك من يستنبط ما تتعلق به التغريدة، من ينسج من خيوطها نسيجا آخراً،ويُخرج أرانب الأفكار من قبعة التغريدات.سأتحدث عن الأمر فيما يشبه منح المهتم تذكرة لكواليس مسلسل، وما يشبه المحتوى الإضافي على أسطوانة فيلم تخبرك عن نهاية أخرى تم تفضيل النهاية التي رأيتها في الفيلم عليها، دون أن يسألك أحد عما إذا كنت توافق. وغني عن الذكر أن مشاهد الكواليس لمن لا يعبأ بالمسلسل، مشاهد مملة على أحسن تقدير، ومنفرة على أسوأ تقدير!

التغريدة التي سأستخدمها كمثال، هي آخر تغريدة كتبتها، قبل أن أتحدث عن التفسير والمعاني التي تتخبأ تحت مفارش الكلمات: 

"ثمة أحداث تبقى طوال عمرك على حبال ذاكرتك دون أن تنشف.. "

تستطيع، لو وثقت باستحقاق هذه الكلمات لوقتك، والجهد الذي يبذله فكّ مخك في علكها، أن تستنبط أشياء كثيرة تتعلق بها. مثلا، حين تعلق حدثاً على حبال ذاكرتك، تعليقه بطريقة مستوية وحريصة، تساعده على أن ينشف سريعا، بدلا من إلقائه دون اهتمام. وأيضا، قبل أن تعلق الحدث على حبال الذاكرة، اعصره جيدا، وإلا فإنه سيرهقك برطوبته طويلا. عصره في هذه الحالة،أن تعيشه كاملا. أن تتأمله جيدا.وأيضا، الأحداث كالملابس، نرتديها بعض الوقت، ثم نتركها على الحبل،ولا نملك بعدها سوى أن نتأملها ونتوجع أو نفرح،بناء على تخيلنا لشكلنا القديم معها!  وأيضا، الأحداث ليست طعاما نأكله ثم نتخلص منه، هي تبقى كقطعة ملابس تذكرنا بوجودها طوال الوقت.. 

بشأن حبال الذاكرة، تخُّيلِها كحبال، يجعلنا نتخيل سقوط شيء منها. ما يسقط إذاً، لا يختفي، ولكنه يبقى قريبا من الذاكرة،الا أنه مغبرّ،وفي استعادته مشقة!  بشأن الأحداث كملابس، الملابس مخيط تنسجه التفاصيل الصغيرة، وخز الإبرة يُتِمّ أطرافه،وتتداخل فيه خيوط التفاصيل وألوانها،وتصنعه أصابع كثر!   وأيضا، أن تنشف الأحداث سريعا، يتعلق بالشمس كعامل آخر مهم. حينما تكون حياتك مشمسة ومشرقة. تنشف الأشياء سريعا بغض النظر عن بللها!  وأيضا، الأحداث الناشفة على حبال الذاكرة تستطيع أن تمر عليها لقطفها من الحبل مبتسما كربّة بيت سعيدة. أما الرطبة منها فتثير امتعاضك كلما لمستها!  وأيضاً تراكم أحداث فوق بعضها على حبل الذاكرة الموعيّة القصير يجعل مجموعة الأحداث هذه، أكثر رطوبة، وتحتاج عندها لوقت أطول كي تنشف. وأيضاً ، في الأحداث كملابس، والذاكرة كحبل غسيل ما يجعلنا نفكر في الطريقة التي تتفاعل بها الملابس مع الحبل،وأن بقاءها رطبة فترة طويلة،يغيره إلى الأبد.

وأيضا، في الأحداث كملابس والذاكرة كحبل غسيل ما يجعلنا نفكر في ابتعادها عن مداخل بيوتنا ومانعرضه على الناس،وأننا نخبئها في سطح أو سيب! وأيضاً في اختبائها ووضعها كملابس ، ما يلمح الى أننا نختار منها الناشف المهندم، لنلبسه أمام الناس، ونخفي منه الرطب الذي لم نتصالح معه!

انظر لها مرة أخرى الآن: 
"ثمة أحداث تبقى طوال عمرك على حبال ذاكرتك دون أن تنشف..! "

التفسير يقتل الحياة في النص. يحوله من كائن حيّ، إلى كائن محنّط. وكما هو الحال مع الحيوانات قد يظن البعض أن رأس غزال محنط،أجمل منه متوثبا متلفتا،مفتوحا على الاحتمالات. لكنني أحب الحياة أكثر،وأثق بمهارتك على التحنيط، كقاريء أكثر من ثقتي بقدرتي عليها، إذ أنني أرتبط بعلاقة مع الغزال الحي تعقّد مهمتي في تحنيطه. أنا على استعداد لفعل أي شيء لأبقي على الغزال حيا،ولو قال كل من مر به بصوت واحد:حنطه! حنطه! حنطه!.  أنا هنا أحاول أن أحنط رأسا واحدا،ليتصرف الرأس المحنط كدعاية للرأس الحقيقي الحي،ويخرج من يكرمني بقراءته،إلى الغابة بحثا عن الغزال الحقيقي!

صديقي القاريء، أنت بطل القصة هنا. أنت صاحب كل السجادات التي تفردها بنفسك. في هذا الحساب *وضعت من أجلك مايقارب ١٠٠٠٠ سجادة ملفوفة، تناول منها ما شئت وافردها في صالة عقلك. كل ما يمكنني أن أعدك به، أنني أقف خلفها جميعا، واثقا بها، وأنها ملفوفة بعناية. وأنني أتفهم تماماً أنك لكثرة ما رأيت من السجاد الرديء المفرود أمامك بتطفل ورقاعة، قد تظن بظهر السجادة الملفوفة الظنون كأن تظن بأنها الوجه المغزول، وتظن بأنها مفرودة بتثنٍّ مشوه! 

تويتر أضيق من أن نفرد سجاداتنا داخله،ولا أشك لحظة في أن من الصالات ما يفوق صالة عقلي كرما.وأظنني أكثر رأفة بنصوصي من أن أستطيع قتلها وتحنيطها. وأكثر لطفاً من أن أتطفل عليك بسجادات ضخمة مفرودة.. 

الحديث على الغصن كثير، والعصافير الزرقاء المغردة هائلة العدد، والحروف تتبعثر كرمل في صحراء شاسعة يطؤه الناس دون انتباه، أحاول أن أقوم بدوري في القضاء على الثرثرة الفارغة، فألفّ كل فكرة جيدا قبل وضعها هنا، بالطريقة التي تصفط بها طرف السجادة بأصابعك حتى لا تأخذ مكانا أكبر، بفراغ يملؤه الهواء في منتصف الدوائر الحلزونية! 

سأحاول أن أسامح نفسي على قتل النص، وسامحني أنت على الثرثرة الفارغة، والفراغ الذي يملؤه الهواء هنا، فراغٌ كبير،فراغُ أن تتسع الدائرة الصغيرة،تلك التي أنتجها اللفّ الرديء، لتصبح أكبر ما يمكن لها أن تصبح. تصبح سجادة مفرودة، تفتح صدرها لكل هواء العالم، دون خجل. تحتل المكان كطفل سيء الطبع ينبطح فوق لعبة لم يهبه إياها أحد!

من كان سيصدق: اللف (الغموض) فعل تواضع! والفرد (الشرح) تبجح واستعلاء! 

مارس- ٢٠١٤

* Twitter: @Meteb_Hamid

هناك تعليقان (2):

  1. كمراقب للسوق وأحد الزبائن الذين تتمتعوا بأجود السجاد الذي تحيكه بعناية أود لو أني أملك القدرة على الوقوف بجانب معرضك الأنيق والهتاف بأعلى صوتي للمارين لكي يتمتعوا بالتجربة مثلي. لكن سنن الحياة تثبت أن على المرء أن يبحث بنفسه وأن " السعيد الذي يتعظ بغيره شخصية أسطورية " .
    أرى أن التفسير يشبه أن يعرض عليك المفسر قماشة إضافية إلى قماشتك الأصلية ليبدأ عقلك بحياكة موديل يجمع القطعتين بطريقة لا تجعل المنتج النهائي أقرب إلى خرقة منها إلى سجادة أنيقة.
    قماشتي الأصلية قطعة صغيرة تعبر عن تلك الأحداث التي أظن أني تخلصت منها لكنها تظهر على الحبل في كل مرة أنظر إليه . وتعبر عن عجزي في التركيز على القطع الجديدة على الحبل ، تلك التي يسرني النظر إليها وأفخر بلبسها أمام الناس ، وتعبر أيضاً عن يأسي في تجفيف القطع الرطبة ولا أجد مفراً من الأمل بأن شمس الظهيرة في يوما ما ستحدث معجزة .
    قماشتك الإضافية جعلتي أفكر بالعصر الذي أهرب منه أحيانا لكثرة الملابس ، وبطول الحبل ، وبالغبار الذي يلتصق بالقطع الساقطة حتى أظن أنه جزء لا يتجزأ من هذه القطع.
    كيف أجمع بين القطعتين؟ كل الملابس تمر على الحبل ، مالذي يجعل بعضها ينشف أسرع من الآخر؟
    مازلت أحيك ولا أعلم كيف ستبدو القماشة في شكلها النهائي لكني أعلم أني سأحظى وقتها بلحظة ( يوريكا ) لا يحفل بها سواي.
    10000 سجادة عدد قليل مقارنة بقدرتك على الحياكة وأراك متشيثاً بفترينه صغيرة في سوق قديم مهدد بالزوال في أي لحظة . هذا السجاد هو الأثر الذي ستتركه ورغم الألم الذي تشعر به عندما ترى "دجل الباعة وجهل المشترين " من حولك ، سيمر هذا المشتري مرة أخرى ( ربما بعد زمن ) لكنه سيمر وسيعرف حقاً أين توجد البضاعة الجيدة وسيستبدلها بالرديء الذي اعتاد عليه.
    " الحائك الحقيقي من يواصل صنع السجاجيد بتفصيلاتها المعقدة بطريقة آخر من كان سيقدرها يسكن التراب من قرن بعد أن تحول الناس كلهم إلى السيراميك "

    ردحذف
  2. كم انت رائع دكتور حامد ...

    ردحذف