الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

كانت فتنة ياغازي !






كانت فتنة ياغازي!
(١)
،غازي القصيبي، الذي حذر في كتيب صغير، اسمه "حتى لا تكون فتنة" مما نراه الآن، حاور ناصر العمر، وسلمان العودة، وعائض القرني، بالتي هي أحسن، كما قال في مقدمة كتابه. لا بد أن هذا الكتاب لم يقرأه الناس كما يجب، كتاب حافل بمقتبسات حرفية مما قالوا،حافل باتهامات له، رد عليه بعقله لا بعاطفته، لا رمزية ولا غموض فيه، كتاب من الممكن قراءته بنصف ساعة فقط، لكن أحدا لم يحفل، وكانت فتنة! 

اقتبس فيه شيئا مما قاله ناصر العمر في شريط له: 

"ومن مبادئهم ... ما يسمى بمبدأ الحوار ... عندهم مبدأ الحوار ... حاوروا وهذا المبدأ ... خطير ... خطير .. خطير"
.(القصيبي، حتى لا تكون فتنة،ص١٣)، ورد عليه.
وقال لعايض القرني بعد أن سرد ماذكر القرني من مغالطات،تعبر عن خلل في الخلق وفي الفهم، وفي المروءة، في شريطه عن غازي،قال له :   

أما أنا أخي الكريم فأشهد االله ، جلت قدرته ، وأشهد خلقه أنك آذيتنـي ، وعيرتني ، وتتبعت عوراتي ... ومع ذلك أدعوا االله أن يجنبك الفضيحة في جوف رحلك .
(القصيبي، حتى لا تكون فتنة،ص٤٨)

وتحدث القصيبي عن ما يقوله سلمان العودة، إبان حماسته، يحدثنا العودة عن التغيير دائما، ولا يقول ما كان يقوله من قبل، لذلك فلربما لا يكون هناك داع لأن أذكر هنا ما قيل هناك، ويمكن للمهتم مراجعة الكتاب، يعيب البعض على العودة، أنه لايتحدث بصراحة عن أخطاءه السابقة، لا يتخلى عنها تماما، يهمهم بما يدل أن الناس يتغيرون وأن من قلة المروءة تتبع ما قاله الأشخاص من قبل، وربما كان محقا، لكنني سأجد صعوبة في شرح هذا لامرأة فقدت ولدها في أفغانستان بتأثير منه، ثم سمعته هي يتحدث على شاشة لامعة، كما سمعته أنا وتفاجئت قبل سنتين يتحدث عن" الشباب المُغرر بهم" في ذات السياق الجهادي ، هكذا يبني الفعل على مجهول ،ولاحول ولا قوة إلا بالله! العودة الجديد يصلح لأن يكون أعتى أعداء العودة القديم وأشرس خصومه، امتناعه عن نقد فكره القديم بوضوح، وقد قال أنه تغير، أحجية كبيرة، والأحاجي  دائما ماتثير الشبهات، الا حينما تكون بغرض التسلية!
لو كنت رأيت مخالفيك اليوم ياغازي، يغيرون فتاويهم، نفس الفكرة التي ذكرتها في ذلك المقال الذي كتبته في الشرق الأوسط وسردت فيه أمثلة كثيرة، وذكرته في كتابك، واستبسل وتبذّل عايض في رده عليك كما ذكرت، لو كنت رأيته فقط: " برايسلس"، كما كنت قد تفكر. شعور الحق الذي يظهر بعد حين، بعد أن تحارب من أجله، شعور جميل، احتفال ذاتي صغير، لا تذكره لأحد، ولا تفاخر به، ولا تذكّر به!
صارت فتنة ياغازي كما حذرت مازالوا يتسيدون المشهد،ولم يردوا على كل ما كتبت، وبنوا على اللبنات الأولى التي رأيتها، نعم نعم تلك المائلة ذاتها، وكنت تفكر ربما، أنهم سيعدلون هذه اللبنات،يسحبونها ويعتذرون، وتستقيم الأرض من جديد، أو أنكم ستشتركون سويا في بناء سليم حينما يأتي علماء المسلمين الذين ناشدتهم في الكتاب عينه، وتستقيم اللبنات ويصعد البناء! بنوا عليها بميلانها الذي رأيته، ليتك تشاهد المشهد الآن، البناء مائل وآيل للسقوط، لكن سقوطه الآن لن يضر ساكنيه فقط بعد أن ارتفع بهذا الشكل، سقوطه سيؤذي الجميع. تخيل ياغازي، أن أحدهم من أعلى سطح البناء هذا (٢)، كان يقول أمس بأنه دعى عليك بالسرطان، وأنك أصبت به والحمدلله، وأعطى خلفك الوزير مهلة شهرا قبل أن يدعي عليه، وقال أيضا بأنك تراجعت وتبت لكنه دعا الله بأن لا يرفع عنك البلاء، ربما كان مختلا كما قد تخمن لو رأيته، لكن المشكلة أن أصحابه الذين امتلأت بهم الكراسي، كبروا ربهم ،ودعوا له بأن يبيض الله وجهه! وصوروه بكاميراتهم تصوير المنتصر الشجاع، الناطق بالحق.
الفتنة ياغازي، قسمت بحرنا الاجتماعي، كعصا موسى، إلى قسمين، بموج غاضب متوثب، يتسكع بعضنا في الأرض الفاصلة،حيث تدوسنا الأقدام، وتصب علينا لعنات الجانبين كليهما،حتى حين. كل فريق بما لديهم فرحون، أتذكر الحديث الصحيح الذي ذكرته في كتابك: 
"ان الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل "ليعمل عمل أهل النار فيما يبدوا للناس ، وهو من أهـل الجنـة ـ متفق عليه ـ

هناك شيء يسمونه تويتر الآن، يقسّم شتائم المقالات القديمة، والأشرطة، إلى قصاصات بمائة وأربعين حرفا، مختزلة، لتشجع على سوء فهم أكبر، لو كنت موجودا الآن لربما تسليت برؤية هذا الحديث  الصحيح، تذكره  مثلا، ويعاد تدويره (أو يعاد تغريده) من مخالفيك ليقصدونك به. أتذكر معاركك معهم عن التلفاز، ليتك ترى التلفاز الآن والفضائيات! هم يظنون أنهم، يتفوقون على مخالفيهم دائما ويزرعون الكره في المتحررين أو التقدميين أو الليبراليين، يطلقون أسماء جديدة كل مرة، بالمناسبة، لقب علماني خرج من الاستخدام الدارج الآن وتم استبداله، لم يعد مثيرا وصادما كما ينبغي للقب يُستخدم في الإقصاء أن يكون. هم يظنون أن هؤلاء أعدائهم، لكن ليتهم يعلمون كم فاضل متتبع لسنة المصطفى ، مؤمن ، ورع، يحتسب عند الله مخالفاتهم، ويحزن في اليوم ألف مرة لرؤيته لدينه وهو يختطف بهذه الطريقة، ويؤلمه أن يظن الناس أنه بخندق واحد معهم، بسبب مظاهر الصلاح عليه! 
لو رأيت تويتر ياغازي، كنت سترى الفكرة الطارئة الحقيقية ،عارية، قبل أن يتم حذفها،كنت سترى الغضب يصرخ كمولود،في لحظة خروجه من رحم الحدث، كنت أيضا سترى الصحافة التي دافعت عنها حينما حدثت العودة الذي قاله أنها مسيسة، تتعرى بأصابع تويتر. لا أظن أنه يضيرك أن تعرف أن حديثك لم يكن حقا مطلقا بالنسبة لهذا، أظنه قد يسرك مثل هذا الحوار، كنت تسوّق لفكرة الحوار المنطقي، بغض النظر عن النتائج وكان العمر يحرمه، ويوضح خطورته، وكنت ترد، تحشر دهشتك في علامات تعجب عديدة: " 
؟! مبدأ الحوار خطير ؟! مبدأ الحوار خطير يا أخي ناصر العمر !"
" لم تخاف الحوار ؟


لو رأيت تويتر ياغازي، وكمية التضايق من الأفكار، تصادف كل يوم غضبات وهبات لأشخاص تصادم عقولهم قلوبهم، بالضبط ، كما يفعل الهندي الذي ينحني كل يوم أمام البقرة، حينما يجد نفسه تماما أمام مزرعة ما في الدينمارك تنتج الزبدة والحليب، يسب المزرعة والدينماركيين، والحليب، والشاحنات التي تنقله، والبقالات التي تبيعه، ،والشعب الذي يشتريه، دون أن يتساءل: "هل البقرة ربي ؟"، فقط يجد في التعامل معها كحيوان مدر للحليب أمرا فظيعا، يثير به نوبة غضب هائلة، ولو لم يقدس بقرته بهذه الطريقة لما غضب، أو لو قدس شيئا يقدسه الجميع لما غضب  ، أيضا ، ولما أغضبهم !

كنت سترى في تويتر ماتفعله الدوائر الصغيرة المختبئة خلف أجهزتنا المحمولة الجديدة، تُعرّي المشهد، قطعة قطعة، بضغطة في كل مرة ، لم يخمن أحد أنه كان يلبس كل هذه الملابس،حتى تهاوت كل هذه القطع دون أن يعرى تماما. ستستمر الدوائر بالاستجابة للضغطات، وسيستمر الحوار بغض النظر عن عدد أطرافه، وسنستنبط من شدة الظلام،  الظن المتفائل الوحيد، الذي يشبه "كليشة" حالمة:  ربما كان الفجر قريبا.
رحمك الله ياغازي.


---
-(١)كتاب: "حتى لا تكون فتنة" متوفر الكترونيا، يمكن مراجعته للمهتم.
-)٢(، في لقاء المحتسبين بوزير العمل، المقطع المرئي :







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق