أتلحف جيدا بالغطاء ، ألف المخدة على رأسي ، أتوسد ذراعي ، أغمض عينيّ . تمر الدقائق ، يأبى ضيف النوم ، الثقيل عادة أن يأتي ، ربما يتحجج بأن قد سبقه السيد كافين ، المتنفذ إلى قشرة مخي . تمر دقائق أخرى ، لا أحصيها ، أسمع صفير الحشرات في الخارج ، يلف الغرفة السكون ، ولم يأت النوم بعد . أحضر جهازي ، أضع قراءة شجية للقرآن ، يحكي يوسف رؤياه لأبيه ، ويدعي إخوته أن قد أكله الذئب ، ويكبر في بيت العزيز ، وترواده امرأة العزيز عن نفسه ، وتشي به الخبيثة وتقول لسيدها : ماجزاء من أراد بأهلك سوءا وهي التي كانت تلاحقه !، ويقضي بضع سنين في السجن ، ويذكره الذي نجا من صاحبي السجن عند الملك ، ويأتمنه الأخير على خزائن الأرض ، ويأتي إخوته ليكتالوا ، ويضع صواع الملك في رحل أخيه ، وتبيضّ عينا يعقوب من الحزن ، ويلتم الشمل ، ويسجدون ليوسف ، وتتحقق رؤياه ، ولم أنم بعد !
أخرج إلى الصالة أضيء النور ، أذهب الى الثلاجة أقشر موزة وآكلها ، أتمدد على الكنبه الباردة ، أقلب قنوات التلفاز ، تحط عصافير عيني على عش ساينفيلد ، الطويل الأهبل صاحب الشعر المجعد ، كريمر ، يجعل عامل التلفاز ينتظر ساعات كل يوم عند باب شقته ويراقبه من شقة ساينفيلد ليشفي غليله من الشركة التي جعلته قبل عشر سنين ينتظر ساعتين ، وحينما أتاه أحدهم لم يعتذر على تأخيره ! جيري يهدي أباه سيارة كاديلاك فتغضب أمه العجوز ، و(يتكرن) جارهم الحسود ويتهم الأب بالاختلاس ، وإيلين فجأة تنجذب لجيري بعد أن علمت أن لديه كل هذه الأموال ، (تتميلح) عليه كما لم تفعل من قبل، المادية المرتزقة ! ، وجورج الأصلع العبيط ، يريد أن يواعد فتاة فازت بالأوسكار قبل سنين ، ولكن حظه السيء دائما ، جعله يقول لصديقتها أنه مرتبط ! تراجع بعد ذلك ولكن صديقتها في المستشفى ، يحاول أن يكلمها ، وهي في عالم آخر ، لا تسمعه وهو يتحدث ، ويطلب منها ان ترفع اصبعها اذا كانت توافق ان ترتب له الموعد ! (حظك زي وجهك يا جورج ) ..
أتحول إلى قناة أخرى ، كانت تعرض فلما لتوم كروز ، يسرق أبو حبيبته ، حبيبته منه ، اكتشف مؤخرا أنها أغنى منه كثيرا وتلخبطت الأمور ، أبوها يكتب له شيكا ليصرفه عن طريقها ، يمزق الشيك بغضب ( يا ولد يا حبّيب انتا ) ، ويقول : هذا ما تساويه ابنتك ! يموت صديقه منتحرا ، تتهدم أمواج الدنيا كلها على شاطيء جبهته . يعود إلى حبيبته ، يتقاتل مع الحراس جميعهم ، ويوشك أن (يسطر أبوها كف ) ليصل إليها . يقول لها أنه يحبها ويريدها أن تأتي لتعيش معه . تهرب معه وتنظر إلى أبيها معتذرة ( لا ياشيخه ! ) ، ويتزوجان وتحمل بتوأم حتى تكتمل السعادة . مسكين أنت يا توم كروز ، فتاة واحدة يحصل لك كل طوفان المشاعر هذا بسببها ، جرب أن تحب كثيرا ، وتفقد كثيرا ، ربما ستنتحر كما انتحر صديقك الرقيق . .
أتنهد ، أعود إلى السرير ، أتلحف مرة أخرى ، وأتوسد ذراعي مرة أخرى ، وأغمض عيني مرة أخرى ، أتذكر بيت الشعر الذي كتبته يوما في مكان آخر ، وزمن ٍ آخر ..
أغمض عيني ّ .. أحاول أن أنام ..
فيستفيق وجهها ويملؤ الظلام ..
أحاول أن أتذكر من تلك التي كان يستفيق وجهها ويملؤ الظلام ، أتذكر ، وأبتسم ، لكن الليلة ، حينما أغمض عيني ، وأحاول أن انام ، لا أرى أي وجه يستفيق ، جميع الوجوه نائمة إلا وجهي . تمر دقائق رتيبة ، لا أحصيها هي الأخرى ، أجرب الجهة الأخرى من السرير ، كانت باردة ، مافتئت أن أصبحت دافئة ، والجهة التي كنت عليها أصبحت باردة ، ولم أنم بعد . أبتسم لا أعلم لماذا ، ربما كنت أحاول أن أقنع النوم بأنني لطيف بما يكفي لكي يأتيني . لكنه لا يأتي .
الساعة الآن الرابعة صباحا ، ومحاولات النوم الفاشلة في مختبر سريري ابتدأت منذ منتصف الليل ، ربما يجدر بها أن تتوقف ، عملي في الغد يبدأ في تمام الثامنه ، لن أستطيع أن أتناول قهوة الصباح قبل أن أذهب ، ولا بعد أن أذهب ، أقرر أن أقوم لأتسحر ، وأقرأ حتى يحين موعد العمل في الصباح ، أصنع قهوة ثقيلة ، أتناول معها بعض الكوكيز ، آكل وأحتسي القهوة ، وأراقب الساعة حتى تعانق الخامسة ، واثنين وعشرين دقيقة . لكي أعلم متى أتوقف ، حيث لا أحد يؤذن في أتاوا .
أتوقف ، أسجل تجارب النوم الفاشلة هنا ، ربما سأقرأها يوما ، وأستفيد من أخطائي ، وأصنع تجربة ناجحة !
أتاوا 18 سبتمبر . 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق