الثلاثاء، 31 مارس 2009

السيد ثلج ..






السيد ثلج . صديقي الجديد الذي أتعرف عليه هنا . كان أبيض من أي شيء آخر ، قبل أن تلطخة أقدام السيارات ، وأحذية البشر .
ينزل هادئا ، كأن هناك ثمة موسيقى هادئة ، تُعزف في مكان ما فوق السحاب ، ويتراقص على أنغامها . توشك أن تسمعها ، ولكنك مهما أرخيت سمعك ، لن تسمع سوى ماتبقى منها في حنجرة الريح . لا تحس بأنه يشفق عليك كالمطر الذي يريد أن يغسلك شئت أم أبيت . ينزل على مهله ، وبعدها تستطيع أن تجده متكوما في انتظارك . تصنع منه ماءا إذا أنت أحطته بالدفء ، ويصنع من نفسه جليدا إذا قابلته بسطح ٍ بارد . وإذا أنت لم تتدخل في شيء . سيبقى متكوما فوق بعضه . حتى يمل صغاره من الطهر ، ويتقافزون إلى الشارع ، والسيارات ، والأحذية .
على أنه يحشر نفسه في كل الزوايا المتاحة ، ويتبجح في عرض الشارع ، إلا أنني لا أشعر بأنه يتطفل على أحد . أستطيع أن أتجنبه ببعض الملابس ، أحكم إغلاقها ، وأستمتع بمنظره وبياضه . يهبط بعضه على شعري وملابسي ، ولكن لا يبدو أنه يعبأ حينما أرسله إلى الريح من جديد . يختلف عن الشمس ، التي تقوم بتدفئتنا كأم ، ولكن حينما تقسو . لا ينجينا شيء منها ، حتى لو خلعنا ملابسنا جميعها ، تنفذ إلينا من كل الجهات . وتبلغ أحيانا من قسوتها – أو نبلغ أحيانا من طيبتنا – أنها تضربنا على رؤوسنا ، دون أن نفعل شيئا سوى أننا تجرأنا على لقاءها . بينما الثلج يعضنا ، فقط إذا لم نتهيأ للقائه .
ثم إن الشمس تحرقك من بعيد . لا تتنازل وتأتي ، فهي إما أن ترسل خيوطا مبعثره ، تحاول تجميعها لتحس ببعض الدفء ، أو أشعة نارية تبحث عن ما يخلصك منها . أما الثلج ، فهو يسلم عليك ، يقابلك ، يضع كفه بكفك ، ويمسح بيده على رأسك . وتستطيع أن تتجاهله ، وتدخل إلى مكان مسقوف ، وتمسح ما علق منه بباطن حذائك ، وتعود لتراه متكوما ينتظرك على استحياء .
يدفعك الثلج لتكون أكثر التصاقا بنفسك ، وبالأشياء من حولك ، تعامل غطاءك بلطف وشوق ، تلف شالا على رأسك ، تقرب أكتافك من بعضها ، تتكوم داخل معطفك ، بل يبلغ من سموه أن ينزل من السماء ، ليجعل يدك تصافح يدك الأخرى . أما الشمس ، فقد يبلغ من قسوتها ، أن تجعلك تتلفت إلى جهة ، وتشد ياقة قميصك من الجهة الأخرى ، وكأنك تريد أن تفارق نفسك ، تثقل عليك ، وتتمنى لو أنك تحلق كروح خفيفة بلا جسد .
صحيح أن الثلج أحيانا يخنقك ، كالحب الأكثر من اللازم ، لا يترك في قلبك مساحة للشوق ، تجده ينتظرك في كل مكان ، وحينما لاتلاحظه يعترض طريقك . وحينما لا يجد طريقه إلى وجهك ،يتعلق بقدميك .
لكنني ، أحبه . لا يجدر بالوحيدين أمثالي الاعتراض على الحب الأكثر من اللازم


Ottawa , On
Feb 20.08


هناك تعليق واحد: