الثلاثاء، 31 مارس 2009

أهلا رمضان ، رمضان جانا

 

يقولون أن رمضان سيأتينا غدا ،  لا أرى أحدا في التلفاز يتحدث عنه ، لا أرى رجالا بعمائم ، ومسلسلات تاريخية ،وشاشة بها رجل على كرسي يلبس عباءة مهيبة  وخلفه صورة فانوس ،  لا أسمع صوت أذان ، لا أرى إعلانات الشوارع تلقي له بالا ، لا أرى باعة على الطرقات يعرضون التمر وماء زمزم .  لا أرى أمي تتلحف بشالها الأبيض على مقعد في الصالة الواسعة تقرأ القرآن ريثما يأتي الأذان لتصلي ، لا أشم رائحة سمبوسة ، ولا عبق قهوة ، ولا طهارة بخور ، لا أرى  لون اللبن الأبيض ، لا أسمع أصواتا خاشعة  رخيمة تتداخل بعد عشاء هذا اليوم من المساجد القريبة . لا أرى رمضان ، ولا أسمع رمضان ، ولا أشم رمضان .
الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل ، للتو عدت بسيارتي إلى الشقة من المستشفى  ، الشوارع هادئة جدا ، الا أنه ولسبب ما أشعر أن رمضان غدا ، هناك كل ما يدل عليه ، ولكن بطريقة ما  ، اختفت هذه الدلائل من صورة المكان ، أحدهم سرقها ، ولكن أثرها هناك ، شعور رمضان ، شعور غريب ، لا اسم له ، لا وصف له ، سأحاول أن أصف ، أعلم أنني سأفشل ولكني سأحاول.   شعور أن تحس بهالة كبيرة تنزل من السماء ، لكنها لا لون لها ، ولا رائحة لها ، ولا كتلة لها ، تمر بك تحس بها ، وتبحث عن أية دليل يدل على إحساسك فلا تجد . شعور أن تسمع مسجدا بعيدا ، يبعث صوتا خاشعا ، ولكنك لا تسمع شيئا . شعور أن تعلم أن الليلة هادئة جدا ، وأنك ستأكل عند الفجر شيئا ، وتنام بمزاج مختلف . شعور أن تحس بأن هناك شيئا مختلفا جدا ، ولكن لا أحد غيرك في الشارع يشعر بأن هناك شيئا مختلفا ، ولكنك تحس بأنهم بالتأكيد يشعرون بأن هناك شيئا مختلفا مع أنك متأكد أنه يوم عادي بالنسبة لهم .
توقفت عند بقالة صغيرة ، اشتريت بعض الحليب ، وكيكة صغيرة ربما كي أقنع نفسي بأنني تسحرت . لا أعلم كيف سأفطر غدا ، لا أعلم أين سأفطر . لا أعلم مالذي سيختلف عند الصباح .
أعود لأنام ، يوقظني صوت المنبه ، لا يختلف عن أي يوم ، أضع ملابسي على جسدي مسرعا ، وأذهب إلى اجتماع القسم الصباحي ، أحدثهم عن المرضى الجدد ، أكواب القهوة في كل مكان ، أشم رائحتها أكثر من أي يوم ، وأسمع صوت ارتشافها أكثر من أي يوم .   طابور المقهى الصغير في الدور الأرضي مازال طويلا .
ربما كانت قدسية رمضان و فانوس رمضان معلقان  بأشعة الشمس الأولى التي ستطل على بلدي البعيد ، وتأتينا بعد ذلك ، بلا فانوس ، وبلا قدسية.
يرن في أذني صوت يونس شلبي وإخوته ، وهم يرحبون  بأبيهم  ، " أهلا رمضان ، رمضان جانا " ، لم يرتبط هذا الصوت أو المنظر عندي يوما برمضان ، لكنه يرتبط به الآن ، ربما عامل السخرية المشترك له دور في هذا ، ربما كان احترام الأب الذي كان مفقودا ، وعاد ليصبح شيئا مهما بعد أن شعر (العيال) بأنهم قد يفقدون أباهم ، وعبر عنه ذلك الولد القصير الممتليء وإخوته  بطريقة ساخرة .
غرة رمضان ، 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق