الثلاثاء، 31 مارس 2009

ليلة صيفية

ليلة صيفية هادئة . على قارعة طريق يصخب أحيانا ، وتلبسه السكينة أحيانا أخرى  . فوق مقعد جلدي ، كنت أقرأ كتابا بلغة لا يفهمها أحد من حولي ، وانتهيت من قرائته ، لأكتب بلغة لا يفهمها أحد أيضا .

عدت من المستشفى متأخرا اليوم .  الخطط التي كانت تمارس الإبحار في عقلي في طريق عودتي ، تهدمت على شاطيء كنبة سوداء شعرت بأنها تشبه خشبة على جزيرة نائية   .  نهضت من النوم ، في جزيرة شقتي الخاوية ، بعد أن طارت عصافير النهار ، أفكر فيما يمكن أن أفعله . حتى لا أتأخر على دوام الغد .

خرجت لرغبة ملحة تريد أن تدعي أن قد كان هناك يوما ، عدت في آخره لأرتب سيارتي بين  خطوط  المرآب الصفراء  ، وأصعد إلى سريري وأنام .

ليلة صيفية ، في منتصف الأسبوع ، حيث تهدأ الشوارع الصاخبة ، إلا من صخب من لا يحتاجون إلى النهوض مبكرا في الغد . شنطتي الجلدية كانت تصحبني في السيارة ، تضم كتابا ، وقلما ، ودفترا ، وهذا الذي أكتب عليه .

شنطتي تقابلني على الكرسي المقابل ، صامتة , تتركني أفكر ، وأقرأ ، وأكتب . لا يحرجنا صمتنا ، لا أنتظر منها حديثا ، ولا تنتظر مني أن أكسر حاجز الصمت بشيء .

عقلي ممتليء ، ممتليء عن آخره . أتمنى أن أنفضه ، (أو أن تهب ريح ) حتى يذهب الزيد جفاءا ويمكث  ما ينفع الناس في الأرض . أفتح في كل يوم نافذة جديدة ، على فكرٍ جديد ، وكتاب ٍ جديد ، واهتمام ٍ جديد . تعذبني الحيرة . لا أجد شيئا يصف حالتي بدقة أكثر . الحيرة . أنا الذي أحتار في كل شيء . في سعي إلى الكمال لا يعرف الكلل ! هل كانت هذه عبارة دعائية لتويوتا ! كم أود لو ألتقي السيدة تويوتا لأسألها كي استطاعت أن تعيش بمثل هذا . توقفت عن سماع هذه العبارة منذ زمن ! .. ربما لم تستطع أن تعيش بمثل هذا .

قررت قبل زمن ليس بالطويل ، أن لا أقبل المساومة في مايخص عملي ، أذهب كل يوم في الصباح ، أهتم بالمرضى ، لا أقصر في شيء هناك ، أقرأ ما ينبغي لي أن أقرأه . أزرع ذلك الجانب كصخرة أكثر من نصفها في الأرض ، أترك الأشياء من حولها مبعثرة حتى أجد ما يستحق تثبيته من الصخور .

الصخور الأخرى كثيرة ، لا تنتهي . منها ما يثبت نفسه ، بنفسه . وأحاول أن أنزعه ، ومنها ما أحاول تثبيته ، وينخلع مع كل نسمة ريح.

أحب أحيانا أن أفكر في هذه الصخور كلوحة ، جمالها في عدم تناغمها ، كلوحة تشكيلية مبهمة ، مبعثرة ، لكنها جميلة .

لم أحاول الكتابة منذ زمن ، كان وقتي ضيقا جيدا ،أو هكذا كنت أحس ،  يتوزع بين العمل ، والمناوبة ، والنوم ، والأصدقاء .  في هذه الفترة ، حينما أجد فسحة للتفكير ، في السيارة ، أو على السرير حينما اصطف في طابورللحصول على خبز النوم مع أناسٍ لا أراهم   ، كنت أتخيل الكتابة ، وبالتحديد الكتابة الذاتية التي أمارسها ، ترفا يليق بفتاة مراهقة ،  أو بشاب منعم . أحس بأن القسم الذي أعمل به الآن يعيد تربيتي من جديد.  يخبرني كم هي الحياة قاسية ، وكيف يموت الناس، وكيف يصير عملك دفعا لهم في اتجاه الحياة أو الموت .  كيف أجد من الوقت

ما يكفي لأكتب عن نومي الذي لا يأتي ، وعن قمصاني المهترئة ، وعن سلسلة الأحداث الصغيرة التي تعقب انسكاب البيبسي على السجادة ..


مايو 2008

أتاوا 

هناك 3 تعليقات:

  1. ما هو ممتع أكثر؟ أن تقرأ، تكتب و تُعبر في لغة لا يفهمها أحد من حولك.. أو أن تجد من يفهم ذلك كله...

    ربما إن فهم من حولك ذلك.... زال شعور الخصوصية... و انتابنا القلق... قلق للدفاع عن أورقة دماغنا .. التي لطالما حفرناها ليمشي بها الغير... ولكن بعد خلوها لزمن طويل... ما عدنا نعلم كيف نتعامل مع زوارها... وما عدنا نتحمل الأطفال ومداعبتهم البربيئة .... أو غيرها

    ردحذف
  2. سؤالك جميل، لا أعرف له إجابة جامعة، إلا أن الفهم (الجيد) يجعل
    الأمر يستحق، وقتها لن يصبح ال(قاريء) طفلا ولا متطفلا
    لا أحد يكتب إلا ليصف شيئا سيسعده أن يصل، في وقت ما
    كنت القارئ الوحيد، وعلى أنني كنت أفهمني جيدا الا أنه لم
    تكن هناك أية مفاجآت. أحيانا تحتاج إلى طفل يدخل المكان
    فيوشك أن يكسر مزهرية تحبها فقط لتتذكر كم تحبها.

    شكرًا لمتابعتك المخجلة،

    ردحذف
  3. حقيقة..
    كما قال أحد موازاة لهذه المعاني:.
    ...
    عندما يقول أحد كلاما لا يقوله إلا لنفسه... وعندما قاله لغيره
    وجد أنه ما فهمه ولا استوعبه ولا أراده
    وكان من السعادة أن يجد من يفهمه و يحبه

    شكرا لطيبة ردودك

    ردحذف