الثلاثاء، 31 مارس 2009

أخي ، والعيد ، وأشياء أخرى



أخي ، الذي كتب من أجلي

 

 

 

 

                        اقتراب العـــيد يملؤني مهابة           لأولِ مــرةٍ أخـشـى اقتـــــرابـه

             فـما عـــيدٌ بـدونـك يا صـديقـــي           أعــيدُ الفرح ِ أم عيد الكآبـة  

وعــيدٌ لا تشــاركنا حـضـــــوره           لســـيّانٍ قدومــه أو  ذهـــــابـه

فمُذ غـــادرت موطــننا لآخـــــر            ومُذ قـدمــاك أن وطــأت ترابــــه

ونــــــار الشـوق تحـرق كل قـلبٍ           وتجــرحـه وتدمــــيه الصـبابــه

وأفكارٌ  تمـــــوج ببـحر رأســــك          وأســئلةٌ تريــــد لـها  إجــــابه

فـلا تشــغـل بحــــال الأهـل بالـك           لــيالي الـضيــقِ مـرّت كـسحابــه

جـمـالُ الشـيء يكـمن في انتفــــائه            فمـا لوجــــوده لولا غــــيابــه

فلولا الـفقر مــا كــــان الـــثراء            ولولا الضـعـف  ما  معنى  الصـلابــه

نجنّـب بعـــضـنا ظـلم الأعــــادي           وظــلم الــدهر لا نــقوى اجـتنـابه

بأي خطيئــــةٍ يشــقى صـغـــيرٌ            يصـــارع  خـيفة مــرضا ً أصــابه

وصـــاحبهُ صحـيـحُ الجسـم ينــعم            بعـــافـيةٍ وطلبــاتٍ  مجـابــــه

هـــي الأقـــدار قـد كـتبت علـينـا           ويــــوم النــشر كـلٌ وكـتـابــه

فـيجزي الله مـن صـــبروا نعيـــما           ومــن سـخطوا فيـصليــهم عــذابه

وقــال الله أعبــــادي اســألونــي          وألـــزمـنا يــقيــن الإسـتجـابـه

إذا زادت صــــروف الــدهر ظــلماً           فــلا تــقـنط وداوم قـــرع بــابه

أتــذكـــر يــوم أن كنّا ســــوياً           نجــــوب الغــرب  لا نخشى صعـابه

أتــذكـــر في مطـار الشـرق يـوماً            شـهدتُ لك الرجــــولة والصـــلابه

إذا ضـاقـت بـيَ الدنــيا قـصــدتـك           تبـددُ ما بـصــدري مـن كـــــآبه

إذا اسـتــغربتُ مـن دنيــايَ أمــراً           تُـمَـنطِـقُ  مـا بـدا لي  مـن غَـرابـه

و أشــياءٌ وأشــياءُ كثـيــــــرة           مـررت بـها مـــرورا غــير  آبِــه

وهــاأنَذا ألــــوم اليــوم نفــسي           فهــذا الشــوق  لم أحـسب حــسابه

فـما أحسـستُ كـم يعــني رحـــيلك          وحتى البـيـن لـم ألـحظ غُــرابـــه

ولـكن خِــلقة الإنســـــان مـــنّا          يــقــدر مـا مــضى بــعدَ  غـيابه

جـزا الله الشـــــــدائد كـلَ خـيرٍ           أعـادتـــني إلـى حــس الكــتابـه

فأُبـحر في بحـــور الشـعر قُـــدما            أُعَــبرُ دون نثــرٍ أو رتــــــابـه

أســوقُ الشـــوق عن نفـسي أصالة            وعـن كـلِ الأحـــبة بالإنــــابــه

إلى شــخص ٍ نحـب بكــل صـــدق ٍ          و ندعــــوا  الله أن يــدنوا إيــابـه






أخي ، الذي كان هناك ، أخا على هيئة وطن ، وأصبح هنا وطنا على هيئة أخ


.

لا أعرف ما ذا أقول سوى أنني أشعر بأني أصغر ما يكون إلى جوارك ، وتشعرني بأني أكبر ما يكون إلى جوارك  .  لا أذكرمتى تعرفت عليك بالتحديد ، كم كان سخيفا سؤال الفيس بوك ، حينما أضفتك لي صديقا ، وسألوني كيف التقيتك . حينما خرجت من فوضى ولادتي ، أحك أنفي الجديد بكفي الجديدة ، التي لم أتعلم كيف أحركها بعد ، فكانت تتخبط على وجهي قبل أن تصل إلى أنفي ، قبل أن أتعلم كيف أستعمل أصابعي ، حينما كنت أتعرف على وجهي بقبضتي اللينة ، أسمع أصواتا لا أعرف لها تفسيرا كان صوتك الطفوليّ هناك  ، قبل أن تتعلم ذاكرتي كيف تسجل الأحداث  ، قبل أن تتعلم عيني أن ترى ، قبل أن أتعلم أن أبتسم ، قبل أن أتعلم أن أجلس ، كنت أنت هناك ، تعرف كيف تتكلم ، وتبتسم ، وتقف ، تطالع القادم الجديد بفضول ، وتسمعهم يقولون أنه قد أصبح لديك أخا صغيرا .

ما أذكره ، أنني بعد أن استطاعت ذاكرتي أن تسجل الأحداث ، أتذكر أننا كنا نلعب سويا ، وبعد أن استطعت أن أرى كنت أراك أكبر مني ، ومازلت أكبر مني ، وستبقى أكبر مني .  منذ ذلك الوقت الذي فتحت به حسابا في بنك عقلي ، وأنت تزيد رصيدك به في كل يوم ، ومازلت أجهل كيف أعطيك فوائده .  

بدأنا نشترك في كل شيء ، ننهل من بحر حب أم عظيمة واحدة ، نلعب ب(تركيبة) واحدة ، ونتقاسم الوقت فيما بيننا على (سيارة ريموت ) واحدة ، كنت أظن أنك تلعب بها أكثر مني ، وأدركت بعد زمن أنني كنت ألعب بها أكثر منك ، ولكنك لطيف بما يكفي لتسمح لي بأخذها فأظن -  أنا الأنانيّ الصغير-  بأنك لعبت بها  أكثر مما يجب .  نشتري ملابس متماثلة . نسبح بمايوهات متطابقة . نحب نفس الشوكلاته بالبسكويت التي تجيد صنعها أمي حينما تأتي هالة وأولادها   نفطر من طبق واحد . نذهب إلى المدرسة سوية ، نضع فطائرنا في حافظات لها نفس الشكل وألوانها مختلفة ، إذا طلبت من أمي أن تضع لي بيضا في فطيرتي ، تضع لك بيضا في فطيرتك ، وإذا طلبت أنت منها أن تضع جبنة بيضاء ، سآكل مثلك جبنة بيضاء في وقت الفسحة .

كبرنا قليلا ، وأصبحنا نشجع الهلال سوية ، ونلبس القمصان الزرقاء والشورتات البيضاء ، نحب يوسف الثنيان ، ونصفق إذا فاز الهلال ، ولا نصدق كيف يمكن لأحد أن يشجع النصر .  نلعب الكرة في كل المساحات الممكنة على بلاط الأحواش . نرتكب بعض الجرائم الصغيرة ، نلعب داخل المنزل ، نكسر لمبة في حوش بيت جدي ،نذهب إلى  البقالة المجاورة دون أن تعلم أمي . نشتري دجاجة ، بثمانية ريالات ، ونجبرها على الطيران من فوق الدولاب ، فتقع على رقبتها  ولكننا لا نيأس من المحاولة ، ثم نبدأ بنتف جناحها لأنها لا تجيد استخدامه   .نصعد إلى سطح بيت جدي نلعب بالدباب مع خالي .  نسهر حتى الصبح ، وندخل المطبخ خلسة مع آخرون  نصنع (فتة) . نصنع من الشراشف خياما .   نسرق (بيبسية ) من الثلاجة دون أن نستأذن .  أتذكر يوم ابتدأت تشرب البيبسي دون استئذان ، وكان لم يزل لا بد لي من الاستئذان .  كان لدينا الكثير من الأسرار الصغيرة ، أغلبها مشتركة ، فلا يهدد أحدنا الآخر  بفضحها ، لأننا سنغرق في مركب واحد ، مر زمن طويل قبل أن ندرك أنها جرائم صغيرة  ، جدا ، وأنه ليس ثمة مراكب ستغرق ، ولا هم يحزنون .  

كبرنا أكثر قليلا ، وكنت في المدرسة الابتدائية ، أراك دائما أكبر مني بسنتين دراسيتين ، وقرن ، لم أكن أتشاجر مع أحد ، ولكنني كنت أشعر بنوع من الإطمئنان يجعلني قويا ، كنت أعلم أني إذا تشاجرت مع أحد ، أستطيع أن أستفزعك ، فـ(تتوطى ببطنه ) ، لم أستغل الفرصة كما يجب ، وحينما تشاجرت بالأيدي مع أحدهم للمرة الأولى والأخيرة ، في الصف الخامس الإبتدائي ، كان طفلا مثلي ، الا أنه كان أغبى طالب في الفصل ، وكنت أذكى طالب في الفصل قبل أن أتشاجر معه ، أساء لي ، وأردت أن أنتصر لرجولتي  الجديدة ، أو قد أقول ذكورتي ،  كان حجمه أكبر مني مرتين ، وكان يحمل بيده قلم حبر (أبو ريال)  ، أحدث بواستطه ثقوبا في ثوبي وجسدي ، وكنت لا أحمل سوى يديّ ، و أنتظر شجارا عادلا بلا أقلام ، أتيتك إلى سيارة السائق ، في يوم المدرسة الأخير أنزف دما ، احتويتني كأب ، لم تسألني حتى لماذا تشاجرنا ، أخذتني إلى محل (أفلام كارتون ) ، بحوار بنده ، جبرت بخاطري ، وعدنا إلى البيت ولم تخبر أحدا عما حصل .

كبرنا أكثر ، وكبرت أسرارنا ، وابتدأت أدرك أنني أقدر أن أئتمنك على أسراري ، فتمنعك أشياء أخرى من فضحها غير المركب المشترك .   لا أخفي عنك شيئا ، لا أحتاج إلى أن أجمل صورتي ، أو أكذب في شيء ، أظهر كما أنا ، بكل ما أحمل من الجمال والقبح ، وأعلم أنك ستتفهمني جيدا .   لم تكن تثق بي كثيرا في البداية ، كنت (أكفشك) تصنع أشياءا ، أو تخبرني أنت عنها ، فأنظر لها على أنها فرص ابتزاز جيدة .  حينما رأيتك تأخذ السيارة من السائق لتقودها بقيت زمنا طويلا أشعر بأني (مسكت ) عليك شيئا ، وأنتظر الفرصة المناسبة لابتزازك ، إلا أن الفرصة لم تأتِ يوما ، لم تجعلني أحتاج إلى ابتزازك أبدا .تخيل! .    وفقد الموضوع قيمته الآن ، وأستطيع أن أثرثر عنه هنا ، ولا يثير فيك الموضوع شيئا سوى الضحك .

حينما أصبحت تملك  سيارة ، وكنت تخرج بها  كنت أخرج معك ، حينما كنت تطيل النظر ، إلى فتاة تنظر نحونا  ، كنت تسترق النظر ،مستحييا مني ،  وتظن أني لا أحس ، وأسترق النظر ،مستحييا منك ،  وأظن أنك لا تحس ، قبل أن أصبحنا نسترق النظر سوية .

حينما تركتنا إلى بريطانيا قبل سنيـن طويلة ، كنت أنت في الثانوي ، وتعلمت للمرة الأولى كيف يمر يوم لا أراك فيه . قبل أن أتعلم كيف يمر شهر لا أراك فيه ، وتعلمت الآن كيف تمر ثمانية أشهر لا أراك فيها . .   دخلت إلى كلية الطب قبلي بسنتين ، وتخرجتُ منها بعدك بسنتين . سافرنا إلى أمريكا سوية ،تسكعنا في مطار الصين تايبيه ، كنا نشعر بأننا ذهبنا من الطريق الخاطيء ، رسمنا وجهينا المتشابهين في لوحة ركاب الطائرة  بين  الكثير من السلاحف البشرية .  سكنا في بيت واحد ، وغضبت أنا – الأناني الكبير عندها – من سكننا في مكان واحد ، حيث كنت أرغب في أن أتعلم لغة جديدة ، وأن أعيش مع ناس جدد، وأن أخرج كما يحلو لي  ، كم كنت متهورا ، وأحمقا ! مالم يخطر ببالي ذلك الوقت أن الأمر ذاته يمكن أن يكون قد ضايقك ، ولكنك ألطف من أن تشعرني بذلك . لا أنسى كيف اقترحت عليّ يومها أن نخرج ، وأخذت آلة التصوير ، وكنت تراضيني كطفل ، وقتها كنت أظن ان العالم كله سيعاملني بهذه الطريقة ، وأنه يحق لي أن أغضب و(أتغلى ) وأتجاهل العالم وأنه سيستمر بالربت على كتفي .  قبل أن أكبر و أدرك أنني أستطيع فقط  أن أضرب رأسي بالجدار إذا غضبت .

اليوم ، أصبحنا رجلين ،وأصبح لي جدارا يصلح لكي يتكيء عليه الآخرون ،وكم كنت أسعد حينما تتكيء عليه أنت ،   ومازلت أراك أكبر مني ، مازلت أتكيء على جدارك ، ومازلت تقربه لي حينما تحس بأني أريد أن أتكيء .   حينما أتعب هنا ، لا أجد جدارا أتكيء عليه ، كم كنت تجعل الأمر يبدو بسيطا وطبيعيا .

العيد سيأتي بعد أيام ، أتذكر عادتنا التي اخترعناها بأن نأكل كنتاكي في ليلة العيد ، بعد أن نعود من محل الملابس متأخرين ، وحتى بعد أن توقفنا عن الذهاب إلى هناك ، لم نزل نطلب كنتاكي في ليلة العيد الطويلة .  سأبحث عن محل كنتاكي هنا يقفل متأخرا ، وسآكل قطع الدجاج ، وأبتسم .  سأتذكر يوم كان يغلبني النوم ، وتحاول إيقاظي بجميع الطرق الممكنة لكي نصلي العيد ، وأذهب معك ، وأنا لم أصحى بعد ! أتسخط ، وأهذي  هازلا ، وتضحك كثيرا ، نغتاب نصف من نراهم ، (كاشخين من صباح الله خير ) ، نستغفر الله قبل أن تطاير حسنات رمضان ، نفرش سجادتنا على الأسفلت ، ونصلي .  نعود لنحتسي قهوة ونأكل تمرا ، نقبل رأس أمي ، نواجه النظرات النائمة ، والأوجه المكفهره ، بصيحات عابثة ، عيــد اليوم ، عيد .. !

نذهب إلى بيت جدي ، نناقش المشكلة الأزلية ، من يذهب أولا ، هل نأخذ أهلي إلى هناك ، أم يحتاجون وقتا أكثر ، كم سيارة نستعمل . نجلس في مجلس جدي الكبير ، تجتاحنا رغبات همجية بالضحك من وقت لآخر ، بسبب عبارة عيد متحذلقة ، أو قبلة لها صوت صرير باب عتيق  ،أو لها هيئة طير ينقر حبا من على خدودنا .  أو قبلة رومانسية أكثر مما ينبغي  لرجلين  .  يذهب منا الذي لا يستطيع التحكم بنفسه إلى الوجار الرخامي وكأنه سيشرب قهوة ، وتهتز أكتافه في الطريق . يعاتب الذي ضحك أقل منا ، الذي ضحك أكثر ، يعده الأخير بأن يحاول أن يكتفي بالابتسام المهذب .  قبل أن نخرج إلى السيارة ، في الطريق القصير إلى بيت جدي الآخر ، وننفجر ضحكا ، حتى يخرج الدمع من أعيننا .

سأحاول أن أستطيع الابتسام  في هذا العيد  ، وسأحاول  أن لا يخرج الدمع من عيني .

ستكون معي هنا ، سأتخيل ما كان يمكن لي أن أقوله لتضحك . وسأبتسم . وأرجو أن أكون هناك . تتخيل ما كان يمكن أن أقوله ، وتبتسم . عيدك لا يختلف عن عيدي ، إلا بسبع ساعات ، وثوب وشماغ ، وعقال ، وأم ، وعائلة، ورائحة بخور  . وقبلات كثيرة ، لا أستطيع أن أحصل على شيء منها هنا .  في هذا العيد لا ترضى من أحد بأقل من قبلتين ، لنقتسمهما . حتى مايضحك منها .  تلك التي نحب استقبالها ، لأفرح معك بها ، وتلك التي تكره استقبالها ، لأحمل عنك شيئا منها .

 

أيامك سيعيده

 

متعب ،

أتاوا 11 أكتوبر 2007

هناك تعليق واحد:

  1. انها ليسة رحلة فقط ..انها قصة مدينتين..الرياض و اوتاوا التي لا يربطهما شي مشترك حسب حد علمي سواك...انت يا متعب ..سوى ايامك واحلامك وطموحاتك وشوقك لأمك لأخوتك لأهلك الذي يكاد يذيب ثلج اوتاوا وذكرياتك الجميلة التي تلطف حر الرياض ..انها قصة مدينتين تفصلهما الاف الاميال التي تملؤها بتفاصيلك
    الرائعة بصوت قلمك وحبر عقلك..هنيئا لعيناي ما قرأت
    ولعقلي الذي استوعب هذا الكم من الجمال
    keep on b 7f6, allah

    ردحذف