الثلاثاء، 31 مارس 2009

مزاجي المتقلب




 يتقلب مزاجي ، كما يتقلب الجو هنا .  أشعر بالرضا أحيانا فتبدو لي حياتي هنا كبرتقالة أشرب عصيرها خارج هذا المكان ، وآتي أحيانا لأعصر لب الحزن هنا . وأشعر بالحزن احيانا فأحس أني لم أعصر هنا سوى ما تبقى من برتقالة عصيرها جدّ مر ، ولبها يبدو أقل مرارة لقلته ، ولمرارة ما قبله .
كل يوم يحمل قسمته معه . سعادة أن تحوز على الإعجاب في صباح يوم عمل جيد ، وحزن أن تقضي وقت الغداء ، وحيدا بلا غداء ، وسعادة أن تعود إلى شقتك لترتاح قليلا ، وتنام قليلا ، وحزن أن تصحى لتفطر على عصير تشربه واقفا بجوار الثلاجة ، وسعادة أن تتحدث مع أهلك ، وحزن أن تضغط على الزر الأحمر مودعا ، وسعادة أن تقابل صديقا ، وحزن أن لا تجد صديقا تقابله ، وسعادة أن تكتب على جهازك شيئا ، وحزن أن لا تجد في نفسك  مزاجا للكتابه  ، سعادة أن تذهب إلى السرير لتنام ، وحزن أن لا يأتيك النوم ، سعادة أن تصحو وتصلي وتقرأ قرآنا ، وحزن أن تأكل سحورك وحيدا . ومئات السعادات والأحزان الآخرى . . .
العتبة التي كان لا بد لشخص أن يتجاوزها ، ليصبح لي صديقا ، تبدو لي كحديدة تشدها معادن أكثر مرونة من الحديد وأقل مرونة من المعادن الصلبة الأخرى  ، يصعب تحريكها ، وأتقاتل معها كل يوم ، لأخفضها قليلا ،فيتجاوزها بعضهم ،  وأنجح أحيانا ، وأتعب من المحاولة ، ومما أجازت مروره  ، فأتركها لترتفع ، كما كانت ،  وأجلس خلفها وحيدا ، إلى أن يأتي صديق قد ارتقاها منذ زمن ، ولم يزل يستطيع أن يرتقيها ، فأبتسم كما يبتسم من لا عتبة له  .   أحيانا أفرح بوجودها ، وأجلس خلفها مطمئنا ، وأحيانا أتمنى لو كانت أخفض دون أن أحتاج إلى خفضها . وأحيانا أتسائل عن عتبات الآخرين .  ربما كنت أجلس وحيدا خلف عتباتهم وليس عتبتي  . بعضها أعلى مما أستطيع أن أرتقي ربما ، وأرجح أن كثيرا منها أخفض مما استطيع أن أنحني .
أبالغ أحيانا في تقرير أهمية نفسي ، فأفكر قبل أن أكتب ، وكأن أحدا يعبأ ، أقيس بمسطرة عقلي ارتفاع ما سأكتبه ، وما إذا كان سيتجاوز سقف العيب واللايجوز ، ربما يجدر بي أن أتخلى عن هذه المسطرة أحايينا أكثر مما أفعل الآن ، ما أكتبه لا يعدو أن يكون تجربة إنسانية ، بأخطاءها واكتمالها ونقصها  وقصورها وزلاتها وحكمتها وتهورها  ، وصدقها ، لا يجدر بي – ولا بأحد – أن يصور نفسه بمثالية ، وأن يقيس مايكتبه على الـمثل والفضائل . إلا اذا كان يخاطب أمة ، أو يؤثر في عقول الناشئة . أنا أحاول أن أكون مثاليا وفاضلا ، لكني لو ولدت كذلك لما كان بي حاجة للمحاولة، ومحاولاتي ناجحة أكثر مما أصدق ، وأقل مما يصدقون   .
 أنا لا أخاطب شعبا ، ولا أحاور قصّرا . وليس لدي تصور عن من الذي يقرأني هنا . إلا بعض ماأقرأ من الملاحظات وأسمع من الأصدقاء  .   لا أتصور أن أحدا سيضيع وقته في قراءة ما أكتبه ، وفك ألغاز بعض ما أسرده ،  إلا لو كان يهتم لي ولما أكتبه ، ومن يهتم لي ، لا حاجة لي بمراقبة ما أكتبه قبل أن يقرأه  ، فهو ربما يعرفني أكثر من نفسي الجديدة التي أتعرف عليها هنا .
كنت أكتب الشعر على بعض صفحات الجرائد ، ألقيته في منابر كثيرة  ، أفرح فيه ، وأحزن فيه ،أحب بواسطته ، وأفارق بواسطته ،أنتصر به  ، ويقولون أنه ينتصر بي وأسعد بإعجابهم ،   أملؤه أحيانا بالأمل وأحيانا باليأس .   الآن أجدني قد تناولت قلما ، على مكتب في زاوية شقة صغيرة ، في بقعة أخرى من العالم ، أضيء مصباح مكتب ٍ  يحيط به الظلام  ، وأكتب مستريحا ، بلا أوزان ، وبلا قواف ٍ .
ما أكتبه هنا ، ربما يصبح نواة لرواية يوما ، وربما يعلوه غبار الزمن ، فيبدو بعد لأي لا أكثر من مذكرات تشبه مذكرات فتاة مراهقة فارقها  حبيبها ،  ربما تكون دلائل اتزان سابق ونضج قديم ، في يوم أصبح فيه أكثر فوضى ، وأقل صدقا ، وربما تكون ذكرى  فوضى من المشاعر في وقت أكون فيه أكثر اتزانا ، وأكثر نضجا .   ربما تبدو يوما كمبالغات ، أقرأها باسما وأسخر من نفسي ، وربما تصبح يوما أصدق ما كتبت ، في وقت لم أكن أحفل فيه كثيرا بإخفاء ما أحس به .ربما تصبح سوادا في صفحة بيضاء ، وربما تصبح بياضا في صفحة سوداء ، وربما تختلف درجات البياض فأستمر في النقاء الذي أعتقد على اختلاف درجاته ،  ربما أذهب ، وتبقى ، وربما تذهب وأبقى .  وربما نبقى سويا .
أقرأ هنا ملاحظات لأشخاص لا أعرفهم ، إذا كنت تقرأ فأخبرني بما تعتقد ، وكيف تنظر إلى ما أكتب ، وماذا  تتوقع له  ، دعني أرى نفسي في مرايا أخرى ، ولا حاجة للتوقيع باسمك إلا إذا أردت .  فعندها أستطيع  أن أحفل بالانعكاس من خلال ما أعرفه عن السطح .  
ومهما كنت ، ومهما كان سطح مرآتك  ، شكرا ، لأنك تقرأ !
 
أتاوا 2 أكتوبر -2007

هناك تعليق واحد:

  1. منذ مدة ليست بطويلة دُعيت إلى هذا الجدار، وبعدها فرشت بساطي بالقرب منه ولازلت أقرأ وأسمع وأرى، لأضحك أحيان وأبكي أحيان وأفكر في أغلب الأحيان، وأتعامل معها كقطعة أثرية وأحاول قدر الإمكان بأن لا أترك أثر على سطحها، لكن بعد هذا النص وجدت نفسي مرغمة على الإجابة.
    هذه السبورة لا تقل جمالاً عن لوحة الموناليزا رايز أو مقطوعات لودفيج فان بيتهوفن ،والأحرف على سطحها تشكل فلماً ينافس أفلام هوليود، إخراجه متقن جداً، ابتداءً من توزيع الأدوار على الحروف وانتهاءً بهندسة الضوء والأصوات وفن التصوير ،ومايراه المشاهد بعد المونتاج يجعله يشعر أن ما يحدث خلف الكواليس كان أجمل.

    ستضيف إلى الأدب الكثير.

    إعتذر على الإطالة وشكراً لك بعدد حروفك المكتوبة واللتي لم تكتب :)

    ردحذف