الثلاثاء، 31 مارس 2009

ابن أخي ...... !



ابن أخي ، خرج إلى العالم بالأمس ، يلاكم الهواء ، مغمض العينين . سيحتاج مخه الصغير  إلى  سبع سنين ،ليفهمني حينما أخبره ،إذا أمد الله في أعمارنا ،متى ، وأين ، سمعت بخبر ولادته .  وسيحتاج إلى عشرين سنة ، لكي يصبح قلبه الضئيل الآن كبيرا بما يكفي ليشعر بما شعرت به .  

صنع لي قرابة جديدة ، ونحلني لقباً لم أسمع أحدا يطلقه علي من قبل سوى تلطفاً  . أصبحت عمـّـاً .  وأصبح أخي أبـاً . هكذا في اللحظة التي تعقب الخروج من بوابة المستشفى ، وتسبق ركوب السيارة ، تتغير الأشياء .

هكذا دون أن أنتظر ولادة وشيكة ، ودون أن أقل ّ أحدا إلى المستشفى ، ودون أن أسلي انتظار أحد ، ودون أن أختبر ما يتوجب علي ّ فعله إذا كنت هناك .  أرجح أن القادم الصغير ، أطلق صرخته الأولى في الهواء ، وأتبعها بقبضتيه ، وشهق قلب أخي ، وخرج ليحادث أمي ، وقفز قلبها فرحاً لمقدم حفيدها الأول ، وتناثر دمع قليل الملح  هنا وهناك ، وأنا استمع بإنصات ، تعابير وجهي لا توحي بشيء ، قبل أن أخرج من المستشفى ، وتبدأ "شرطات" الحياة دبيبها واحدة واحدة ،في قفر هاتفي ، فينهال السرور كشلال ٍ كان ينتظر على سد في جغرافية ما ، مابين الرياض ، وبين أتاوا .

آه يا أخي ، تركتك في الرياض أخا ، وسأعود إليها لأجدك أبا ، تحمل في حضنك ابنك الصغير . أخبرك كم يشبهك ، وتعيرني إياه لأحمله ، لا يلقي لنا بالا ،يبتسم لنفسه ، ونظن أنه يبتسم لنا .

شعور لا أستطيع وصفه ، ذلك الذي شعرت به وأنا أرى صوره هنا على الشاشة ، ذلك المخلوق الصغير ،النائم في "زهمولته"  يثير فيّ مشاعرا غريبه . ثمة ذبذبات خفيفة ، في رأسي ، تصنع دوخة لذيذة ، وأخمن أنها تحدث لأنني أحفر حجرة جديدة في ذاكرتي ، جديدة تماما ، لم تكن موجودة من قبل سوى كفكرة ، وأصبحت شخصا ، برئتين ، يضع في الحجرة مايشاء ، وليس لي إلا أن أتفرج عليه يعبيء ذاكرتي .

أسبوعان يفصلاني عن ضم أصابعه الصغيرة حول سبابتي الكبيرة ، عن حمل جسده اللين الضئيل ، عن سماع بكائه الذي سيختلف كثيرا عن صوت أي بكاء مشابه ينغض علي نومي في طائرة العودة . عن التفرس في ملامح وجهه بعد أن رأيته صورته كصديقٍ افتراضي . عن تقبيل ذلك الذي صنع لي شوقا جديدا ، لم أختبر يوما كيف أودعه ، ولكنني أعود مشتاقا لرؤيته .

ذلك المخلوق الصغير ، الذي لا يعرفني ، ولا أعرف كم ستختلف بالنسبة له قبلتي عن ذبابة تحط على خده .كل ما أعرفه أنني أريد أن أضع قبلة على خده أكثر من أي ذبابة في العالم ! سأحتاج إلى أسبوعين حتى أصل إلى هناك ،طيرانا !

 

متعب

أتاوا-أغسطس 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق