أصحى من النوم ، الساعة السابعة صباحا ، احدهم يثرثر في مذياع المنبـه الجديد ، أشعر بوخزات في جسدي ، وفي عقلي ، اليوم تتروج أختي ، الآن الساعة لديهم هي الثانية ظهرا ، أبحث عن هاتفي ، أقرأ على شاشته رسالة ترد على رسالتي السابقة لها ، تقول أنها بخير ، وأن كل شيء على مايرام .
أغسل وجهي ، ألتقط الهاتف وأتصل ، صوت أختي على الطرف الآخر لا يشي بالكثير ، تسألني عن أخباري ، وأسألها عن أخبارها .
كيف استعدادك ؟
تمام .
هل جهزت أغراض السفر ؟
نعم .
متى ؟
غدا .
مرتاحة ؟
نعم . (لا تتأخر على الدوام ) .
نعم صحيح . بالتوفيق يارب .
..
أمتطي الدراجة ، وثمة شعور غريب يعربد في صدري ، أقطع الشوارع بالاتجاهات الخاطئة ، أمشي فوق الرصيف ، لا أفكر في الطريق ، رغبت في الانعطاف فرفعت يدي اليسري كي أشعل الإشارة ! ، أبتسم من نفسي ساخرا ، وأمضي .
أصل إلى العمل ، مات لنا مريضين في عطلة نهاية الأسبوع ، بالنسبة لنا ، ونهاية الدنيا بالنسبة لهم . الغرفة التي كانت بها تلك السيدة الهندية العجوز ، تغيرت جدا ، أزالوا الصور التي تخصها من الجدار ، أعادوا السرير إلى وضعه بعد أن كانت تفضل أن يكون على جهة أخرى . عادت إلى الحياة ، بعد أن خرج منها الموت ، وبقيت في انتظار موتٍ آخر .
يأتي إلينا مريض جديد ليسكن في تلك الغرفة ، كانا مريضا لدرجة أنني لم أستطع أن أتكلم معه . كنت أفحصه في الساعة الواحدة ظهرا ، أقلب في جسده الجاثم فوق السرير ، أضع سماعتي على صدره ، وأتخيل ، أنه في اللحظة ذاتها ، في الثامنة مساءا ، ربما تدخل أختي إلى القاعة الآن ، بفستانها الأبيض ، وابتسامتها الأشد بياضا ، تحف بها أغاني الفرح ،وأعين كثيـرة ، وقلوب ٌ أكثر ، أعود إلى المكان الذي نجلس فيه عند مكتب الممرضات ، أشرح للطبيب الاستشاري معي في الفريق الطبي عن حالة المريض الجديد ، يستمع جيدا ، أصف حالته المزرية ، واحتمالية موته القريب ،نصف عقلي في النصف الآخر من الكرة الأرضية ، أبدو متأثرا ، أختار من الألفاظ ما يوحي بالألم حتى يبدو تأثري مناسبا ، لا أدري لماذا في ذلك الوقت بالذات ، لمعت عيناي ، ربما كانت اللحظة التي دخلت بها أختي إلى الحفل ، ربما فكرت بي في تلك اللحظة ، ربما خفق قلب أمي في الثانية ذاتها . ربما نطق أحدهم باسمي، لن أعرف أبدا ماذا كان يحصل في تلك اللحظة . المرشدة الدينية تتأملني مليا ، ولسبب ما يبدو أنها تنفذ إلى أعماقي ، أدركت أن حالة المريض الذي أتحدث عنه ، لا تبدو سببا كافيا ، الطبيب لم يلاحظ شيئا . لا أدري لماذا قررت أن أقول : زواج أختي اليوم ، في بلدي البعيد . ألقيت نظرة خاطفة على ساعة معصمي ، وقلت ، ربما تجلس الآن على كرسي الزواج !
تأملتني بتلك النظرة التي رأيتها تواسي بها أفراد عائلة تموت أمهم في الجناح . لم تقل شيئا ، ربما أدركت أن ليس ثمة شيء يقال ، كأنها تعلم أن في نظرتها شيء يبعث على الراحة دون أن تحتاج للحديث . هربت من نظرتها الطويلة ، تناولت قلمي ، وابتدأت بكتابة الأدويةللقادم – الراحل –الجديد .مسكنات كثيرةلسياط الألم التي ما انفكت تجلده ، حينما كان يحاول أن يقاوم الموت !
أتاوا
14 أغسطس 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق